مبادئ نظم الحكم في الإسلام - د/ انس جعفر
س7: اكتب فى أنواع القضاة فى الاسلام،واختصاصاتهم ؟
جـ7 :
** أنواع القضاة واختصاصاتهم :
ينقسم القضاء فى الاسلام الى نوعين:
القضاء العادى: ويختص بالنظر فى المنازعات العامة.
ناظر المظالم: وله اختصاصات محددة..
الى جانب ذلك يوجد
وظيفة الحسبة: التى تختص بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر.
** القضاء العادي :
قسم الفقهاء القضاء إلى ثلاثة أنواع :
أولا: القاضي ذو الولاية العامة: وتشمل اختصاصاته الأمور الآتية:
1- الفصل في المنازعات سواء صلحا أو بحكم .
2- استيفاء الحقوق وردها لأصحابها .
3- تقرير الولاية على ناقص الأهلية وفاقدها .
4- النظر في أموال الوقف وحفظ أصولها وتنمية فروعها وصرف ريعها في أغراض الوقف المحددة شرعا .
5- تنفيذ الوصايا .
6- تزويج الأيامى(السيدات اللاتى فقدن كل اهلهن) بالأكفاء في حالة عدم وجود ولي شرعي .
7- إقامة الحدود: فإذا كان الحد حقا لله تعالى نظرها مباشرة دون طلب، وإن كان من حقوق البشر يلزم تقديم طلب من مستحقيه .
8- النظر في التعدي على المرافق والأموال العامة .
9- اختيار نائب عنه يسمع الشهود وأمناء(كُتاب)ونائب عنه فى حالة سفره او عدم وجوده.
10- التسوية في الحكم بين القوي والضعيف والعدل في القضاء بين الافراد .
وهكذا يتضح أن اختصاص القاضي في الإسلام له من العمومية بحيث يشمل الاختصاصات القضائية والاختصاصات الولائية .
ثانيا: القاضي عام النظر خاص العمل : ( يقوم بالفصل فى منطقة معينة)
هذا القاضي يمارس كافة الاختصاصات التي أوضحناها سلفا ولكنه يتقيد بمنطقة معينة تنفذ أحكامه فيها وحدها .
ثالثا: القاضي محدود الولاية : ( يقوم بالفصل فى منازعة محددة بذاتها)
وهو القاضي الذي يعين ليفصل في خصومة معينة أو فى بعض الخصومات في أيام محددة.
والقاضي ملزم بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وبما أجمع عليه المسلمون، ولكن نظرا لقلة القواعد المستمدة من هذه المصادر وعموميتها فإن القاضي الإسلامي يمتاز بحرية واسعة في الاجتهاد لاستمداد القواعد الإسلامية من مصادرها الشرعية، ولهذا اشترط فيه أن يكون من أهل الاجتهاد، وقد تأكد ذلك في حديث سيدنا معاذ حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن وقبل أن يرسله سأله: (بم تحكم؟ قال معاذ: أحكم بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأي ولا آلو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسوله) .
على أن ظهور المذاهب الأربعة قد قيد من حرية القضاء وإن كان الفقهاء يؤكدون على أن القاضي له الحرية في عدم التقيد بأي مذهب وله أن يجتهد برأيه في قضائه .
** الوظائف المتصلة بالقضاء :
1- المحتسب :
نشأت ولاية أو وظيفة الحسبة على المبدأ القرآني وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" وعلى ذلك فالحسبة كما ذهب الماوردي هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، ففي هاتين الصورتين تتمثل الرقابة الدائمة من الشعب على نفسه وعلى حكامه وذلك نظرا لأن الحسبة واجب عام على المسلمين يباشرونها إما بالتطوع وإما بالتعيين من الحاكم
- شروط المحتسب:
يشترط في المحتسب أن يكون حرا عدلا ذا رأي وصرامة وخشونة في الدين وعلم بالمنكرات الظاهرة واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعية في هل يجوز للمحتسب أن يحمل الناس فيما ينكره من الأمور التي اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا؟ فذهب رأي إلى أن يحمل ذلك على رأيه واجتهاده برأيه فيما اختلف فيه وذهب رأي آخر إلى أن ليس له أن يحمل الناس على رأيه واجتهاده ولا يقودهم إلى مذهبه لتسويغ الاجتهاد للكافة فيما اختلف فيه ومن ثم فإنه يجوز أن يكون المحتسب من غير أهل الاجتهاد إذا كان عارفا بالمنكرات المتفق عليها
ـ اختصاصات ووظائف المحتسب:
1- الإشراف على إقامة شعائر الدين من صلاة وصيام وزكاة ومعاقبة من يترك أحد أركان الدين بلا مبرر شرعي
2- البحث عن المنكرات ومعاقبة مرتكبيها وحمل الناس على رعاية المصالح العامة
3- إلزام أصحاب المبانى الآيلة للسقوط بهدمها وإزالة أنقاضها حتى لا تعوق السير
4- منع المعلمين من مجاوزة الحد في تأديب تلاميذهم
5- الإشراف على المرافق العامة للدولة ومباشرتها في أداء مهامها
6- النظر فيما يتعلق بالغش والتدليس في المعاملات ومراقبة المكاييل والموازين
7- حمل المماطلين في أداء ما عليهم من حقوق وديون وذلك بأمرهم بسداد الدين وأداء الحقوق
8- منع المواطنين من مواطن الريبة والشكوك وذلك تطبيقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)
9- منع الناس من التصدى للإفتاء في شئون الدين عن جهل
10- منع التعرض للناس بالمسألة في غير حاجة
11- الإشراف على موظفي الدولة حتى لا يقصروا في أداء واجباتهم إزاء الأفراد
12- الإشراف على الأسواق والطرق العامة حتى لا تستخدم إلا في الأغراض المعدة لها
13- تكليف أصحاب الدواب بإطعامها وعدم استعمالها بما لا تطيق
14- منع المعاملات المخالفة لنصوص الدين كالربا والبيوع الفاسدة
15- تلقي شكاوى المواطنين والنظر فيها
أي أن المحتسب له أن يتصدى لكل المسائل التي تدخل في نطاق اختصاصه دون حاجة إلى شكوى أو تظلم، وكان أول من باشر وظيفة الحسبة بنفسه سيدنا عمر بن الخطاب فقد كان يقوم بها بنفسه ويشرف على الرعية ليلا ونهارا موجها إليهم النصيحه بمراعاة أحكام الدين ومقتضياته، إلا أن العصر الذهبي للحسبة والمحتسب كان عصر المماليك 648-933 هجرية نظرا لاتساع نشاط الدولة التجاري
ومما يجدر ذكره أن المحتسب لم يكن قاضيا لأنه كان يفصل في المنازعات الظاهرة التي لا تحتاج إلى أدلة في نطاق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما الدعاوي كالمنازعات المتعلقة بالعقود والمعاملات وسائر الحقوق فكان يختص بها القضاء
2- ناظر المظالم :
- كان أول من نظر المظالم الرسول عليه الصلاه والسلام وقد سار الخلفاء الراشدون على نفس الدرب إلا أن أول من أفرد للظلامات يوما يتصفح فيه أحوال المتظلمين هو عبد الملك بن مروان وكان عمر بن عبد العزيز أول من ندب نفسه للنظر في المظالم
- شروط ناظر المظالم:
يشترط في ناظر المظالم كما أوضح البعض أن يكون جليل القدر نافذ الأمر عظيم الهيبة ظاهر العفة قليل الطمع كثير الورع
- ويشتمل مجلس ناظر المظالم على خمسه أصناف لا يستغنى عنهم ولا ينتظم نظره للمظالم إلا بهم وهي: الحماة والأعوان وذلك لجذب القوي وتقويم الجرىء، والقضاة والحكام لاستعلام ما يثبت عندهم من الحقوق ومعرفة ما يجرى عندهم بين الخصوم، والفقهاء ليرجع إليهم فيما أشكل، والكُتاب ليثبتوا ما جرى بين الخصوم، والشهود ليشهدهم على ما أوجبه من حق وأمضاه من حكم، فاذا استكمل مجلس المظالم بمن ذكرنا شرع فى نظرها
ـ اختصاصات ناظر المظالم :
تستهدف ولاية المظالم رد المظالم لاهلها مما يعجز عنه القضاء وبسط الرقابة على الولاه وكبار رجال الدولة وتعقب ظلمهم للرعية.
- أولا: الاختصاصات التي يباشرها ناظر المظالم من تلقاء نفسه:
(كلها تتعلق بالوظائف العامة ومن يقوم بها وهم الموظفون)
1- النظر في تعدي الولاة على الرعية والتعسف في معاملتهم
2- جور العمال فيما يجبونه من الأموال (تحصيل أموال أكثر من المستحق)
3- تصفح كتاب الدواوين فيما وكل إليهم (التفتيش على الموظفين)
4- النظر في منازعات الأوقاف العامة كالأوقاف على المساجد والفقراء
- ثانياً: الاختصاصات التي لا يباشرها ناظر المظالم إلا بناء على مظلمة:
1- تظلم الموظفين من نقص أجورهم أو تأخرها عنهم وإجحاف النظر بهم
2- النظر في رد المال المغتصب لأهله سواء كان الاغتصاب من الولاة أو من الأفراد
3- النظر في منازعات الأوقاف الخاصة وهي التي تكون على مستحقين معروفين
4- العمل على تنفيذ الأحكام التي عجز القضاة عن تنفيذها ذلك نظرا لأن ناظر المظالم أقوى يدا وأنفذ أمرا من القاضي
5- مساعدة المحتسب فيما أوكل اليه من اختصاصات
6- مراعاة العبادات الظاهرة كالجُمع والأعياد والحج والجهاد من تقصير فيها
7- النظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين
وبذلك يتبين لنا أنها اختصاصات قريبة الشبه لحد كبير باختصاصات القضاء الإداري بمعناه المعاصر ومع ذلك فإن عمل ناظر المظالم ليس قضائيا خالصا بل هو قضائي تنفيذي وذلك لأنه قد يعالج الأمور الواضحة بالتنفيذ أو بالصلح بحيث يرد في النهاية الحق لصاحبه، ولقد أوضح الماوردي الفرق بين نظر المظالم ونظر القضاء في نواحي معينة فلناظر المظالم من فضل الهيبة وقوة اليد ما ليس للقضاة كما أن اختصاصاته في الوصول لتبيان الحق ومعرفة الباطل أوسع من سلطات القاضي الذي يتقيد بأدلة محددة، كما أن ناظر المظالم يقابل من ظهر ظلمه بالتأديب كما أنه يتأنى في استدعاء الخصوم عند اشتباه أمورهم ليمعن في الكشف عن أسبابهم وأحوالهم وله رد الخصوم ليفصلوا التنازع صلحاً وذلك خلافاً للقاضي الذي ليس له سلطة رد الخصوم، وله أن يسمع من شهادات المستورين ما يخرج عن عرف القضاة في الشهادة، وأخيراً فإن لناظر المظالم سلطة البدء من تلقاء نفسه باستدعاء الشهود .
وجدير بالذكر أن نوضح أنه رغم أن المحتسب وناظر المظالم يبحثان موضوعات متصلة بالقضاء ولكل منهما سلطة قوية في إقرار النظام العام في الدولة وأن لكل منهما أن يباشر اختصاصه أحيانا من تلقاء نفسه وبلا حاجة إلى تظلم إلا أنهما يختلفان من حيث أن ناظر المظالم يبحث ما عجز عنه القضاء أما المحتسب فيبحث ما لا تدعوه إليه الحاجة للعرض على القضاء كما أن لناظر المظالم أن يصدر حكما أما المحتسب فلا يجوز له ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق