مبادئ نظم الحكم في
الإسلام
د/ انس جعفر
س1: هل الاسلام دينٌ ودولةٌ معاً، أم هو دينٌ فقط، موضحاً ذلك بالأدلة ؟جـ 1: لم يفصل الإسلام بين الدين والدولة ،أى بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية
وبعبارة أوضح بين البابا والإمبراطور
كما كان الوضع فى ظل الديانه المسيحية تطبيقا لقول السيد المسيح " دع ما
لقيصر لقيصر وما لله لله " فالملوك إنما ولايتهم على الأجساد وهى فانيه
والولاية الحقيقية على الأرواح هى لله وحده ، أما الإسلام فلم يقم مثل هذا الفصل ،
بل مزج بين الدين والدنيا . ولهذا كان الخليفة الحاكم له الرئاسة والسلطة العامة
فى أمور الدين والدنيا نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان الحاكم الإسلامى
الذى يسمى بالإمام أو الخليفة يجمع فى منصبه بين الشئون الدينية والدنيوية . وهذه
حقيقة أجمع عليها فقهاء المسلمين وأجمعت عليها المصادر الرئيسية للتشريع فى
الإسلام .
ذهب رأي إلى القول بأن النظم السياسة
للمجتمع الإسلامي يجب أن تستمد من فكر الناس وتجاربهم لا من التشريع الإسلامي الذي
لم يقرر شيئاً في هذا المجال، ويضيف بعض مؤيدوا هذا الرأي أن سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم لم يجيء ليقيم ملكاً وينشيء دولة فما كان إلا نبياً ورسولاً إلى الناس
كافة، وقد استند هذا الرأي إلى الحجج الآتية:
1- من الكتاب الكريم: استند هذا الرأي لبعض الآيات القرآنية الكريمة لكي يبرر بها وجهة
نظره منها (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً) ، (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ) ، (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) ، (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ
الْمُبِينُ) .
2-
من السنة النبوية:
استند هذا الرأي إلى بعض ما ورد في السنة النبوية منها:
- ما
روي أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله بعض الأمور فارتعد الرجل
عندما وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول صلى الله عليه
وسلم: (هون عليك فإني لست بملك ولا جبار وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل
القديد بمكة).
-
قول الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد المناسبات: (أنتم أعلم بأمور دنياكم).
-
لما خير صلى الله عليه وسلم على لسان إسرافيل بين أن يكون نبياً ملكاً أو نبياً
عبداً نظر صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير له فنظر إلى
التواضع وفي رواية فأشار إليه أن تواضع فقال نبياً عبداً.
-
فضلاً عن ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان من مهامه إنشاء دولة لكان عين
أحداً يخلفه من بعده ولما كان يترك أمر تلك الدولة مبهماً على المسلمين.
3-
أدلة عقلية: ذهب صاحب هذا
الرأي إلى أن المعقول أن يأخذ العالم كله بدين واحد وأن تنتظم البشرية في وحدة
دينية أما أخذ العالم كله بحكومة واحدة وجمعه تحت وحدة سياسية مشتركة فذلك مما
يوشك أن يكون خارجاً عن طبيعة البشر.
وينتهي
صاحب الرأي إلى أن ولاية محمد صلى الله عليه وسلم للمؤمنين ولاية رسالة غير مشوبة
بشيء من الحكم فلم يكن ثمة حكومة ولا دولة وأن الدولة الإسلامية خلت من كثير من
أركان الدولة ودعائم الحكم.
* وعند التأمل في الحجج نجد أنها غير صائبة ويمكننا مناقشتها:
1- فيما يتعلق بأدلة القرآن فهي وإن كانت توضح ظاهرياً أن الإسلام دين فقط إلا أنها لا تحول دون القول بأن الإسلام دين ودنيا، كما أن الآيات التي اعتمد عليها كلها آيات مكية ومن المعروف أن الآيات المكية تغلب عليها النزعة العقائدية والتوحيد لأن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية بعثته في مكة متوجهة إلى تغيير عقيدة العرب وتصحيحها وبث الإيمان في نفوسهم. فضلاً عن ذلك فإن صاحب الرأي كان يجب عليه تفسير الآيات في ضوء أسباب نزولها.
2- فيما يتعلق بالأحاديث النبوية التي اعتمد عليها فهي لا تؤيد مطلقاً
وجهة نظر صاحبها لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (هون عليك فإني لست بملك ولا
جبار) لا يعني أنه لا علاقة بالإسلام بالمسائل السياسية والدنيوية وإنما أراد صلى
الله عليه وسلم أن يوضح لمن أتى إليه يسأله أنه ليس بملك كالملوك والجبابرة
الظالمين الذين كان الناس يخشون سطوتهم وجبروتهم.
- أما
عن قوله صلى الله عليه وسلم في إحدى المناسبات (أنتم أعلم بأمور دنياكم) فقد وردت
هذه العبارة في أمر خاص من أمور الدنيا وكانت تتعلق بتأبير النخل.
-
وعن السبب الذي من أجله لم يعين الرسول صلى الله عليه وسلم من يخلفه إنما يرجع إلى
رغبته في إيضاح أمر هام من أمور المسلمين وهو أمر اختيار الخليفة لأن الرسول صلى
الله عليه وسلم لو استخلف لاعتبر ذلك تشريعاً لا يملكون الخروج عليه ولأضفى ذلك
على المستخلفين القداسة.
3- أما فيما يتعلق بالحجج التي يرى صاحبها أنها حجج منطقية وعقلية فالرد
عليها يسير لأن أحداً لم يطالب بقيام حكومة واحدة تحكم العالم أجمع، والقول بأن
الإسلام دين ودنيا لا يمنع من تعدد الحكومات واختلاف الأنظمة السياسية طبقاً
لمبادئه العامة، وثمة قواعد أصولية في الإسلام تؤكد وتبين أن الإسلام في غير
العبادات والمعتقدات يسمح باختلاف النظم تبعاً لاختلاف الزمان والمكان وأنه لا
يتضمن في المسائل الدنيوية سوى الأسس العامة دون إيضاح التفصيلات الواجب اتباعها
فهذه تختلف باختلاف الدول والأنظمة، ومن هذه القواعد الأصولية:
-
التوسعة في الأحكام الدنيوية - رعاية المصالح المرسلة - المشقة تجلب التيسير -
العادة محكمة
*الإسلام
دين ودنيا :
يوجد
شبه إجماع على أن الإسلام ليس ديناً فقط بل دين ودنيا فالإسلام اهتم بشئون وتنظيم
الدولة بجانب اهتمامه بشئون الدين وعنى بإقامة دولة وأحكام الشريعة لأنه كيف
يستقيم أن يكون الإسلام شريعة ثم لا تكون له حكومة تقوم بتلك الشريعة وتحمل الراعي
على العمل بها.
وكان
الرسول صلى الله عليه وسلم رئيساً للدولة بمعنى الكلمة، يصدر التعليمات والأوامر
والأحكام التي تنطوي على جزاءات دنيوية عاجلة، وأوجد الروح التي تسيطر على الحياة
السياسية وأقام النموذج للقدوة والقيادة. لا يعني هذا أن النظام الإسلامي لم يبدأ
إلا في المدينة، فقد بدأ من الناحية العلمية في مكة قبل الهجرة ولكنها بالنسبة
للدولة الإسلامية كانت مرحلة تمهيد وإعداد.
وعلى
نفس النهج والمبادئ سار الخلفاء الراشدون وعملوا على توسعة الدولة وأصبحت دولة
واسعة النفوذ عظيمة السلطان كان العدل أساسها والمساواة والحرية والتكافل الاجتماعي
قوامها. وعلى هذا فإن الإسلام قد شمل بتنظيمه أمور الدين والدنيا وقد تضمن القرآن
الكريم أحكاماً عامة تحكم تنظيم المجتمع سياسياً مثل أحكام قواعد الشورى
والديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية
- فمن
القرآن الكريم :ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُم) ، (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى
الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)
- ومن
الأحاديث النبوية :ـ (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم مني مجلساً
إمام عادل، وإن أبغض الناس إليّ وأبعدهم مني مجلساً إمام ظالم)
- ومن
أقوال الصحابة :ـ قول أبي بكر الصديق غداة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:
(إن محمد أمضى بسبيله ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به) ، وقول عمر بن الخطاب: (لا
إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة)
- ومن
أقوال علماء المسلمين :ـ يقول بن تيمية: (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من
أعظم واجبات الدين بل لا قيامة للدين إلا بها ، فإن بنى آدم لا تتم مصلحتهم إلا
بالإجماع لحاجة بعضهم الى بعض ،ولابد لهم عند الإجماع من رئيس)، ويقول الإمام
الجرجاني: (نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين وأعظم مقاصد الدين)
فضلاً
عن كل ما تقدم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حين استقر به المقام في المدينة وضع
لها دستوراً يعد من أول دساتير العالم أكد به أن الإسلام دين ودولة .
السؤال منسق للطباعة
السؤال منسق للطباعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق